فصل: من فوائد ابن عطية في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد السمرقندي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} يعني: ما عظّموا الله حق عظمته، وما عرفوه حق معرفته.
نزلت في مالك بن الضيف خاصمه عمر في النبي صلى الله عليه وسلم أنه مكتوب في التوراة.
فغضب وقال: {مَا أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مّن شيء} وكان رئيس اليهود.
فعزلته اليهود عن الرئاسة بهذه الكلمة.
قال مقاتل: نزلت هذه الآية بالمدينة، وسائر السور بمكة.
ويقال: إن هذه السورة كلها مكية.
وكان مالك بن الصيف خرج مع نفر إلى مكة معاندين ليسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء، وقد كان اشتغل بالنعم، وترك العبادة، وسمن.
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بمكة.
فقال له رسول الله: «أَنْشدكَ الله أَتَجِدُ في التَّوْراةِ أنَّ الله يُبْغِضُ الحَبْرَ السَّمِين؟» قال: نَعَمْ قال: «فَأَنْتَ الحَبْرُ السَّمِينُ فَقَدْ سَمِنْتَ مِنْ مَأْكَلَتِكَ» فضحك به القوم فخجل مالك بن الصيف وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء فبلغ ذلك اليهود فأنكروا عليه.
فقال: إنه قد أغضبني.
فقالوا: كلما غضبت قلت بغير حق وتركت دينك؟ فأخذوا الرياسة منه وجعلوها إلى كعب بن الأشرف فنزلت هذه الآية: {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} حيث جحدوا تنزيله {إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مّن شيء} يعني: على رسول من كتاب.
{قُلْ} يا محمد {مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذي جَاء بِهِ موسى} وهو التوراة {نُورًا} يعني: ضياء {وهدى} يعني: بيانًا {لِلنَّاسِ} من الضلالة {تَجْعَلُونَهُ قراطيس} يقول: تكتبونه في الصحف {تُبْدُونَهَا} يقول: تظهرونها في الصحف {وَتُخْفُونَ كَثِيرًا} يعني: تكتمون ما فيه صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وآية الرجم، وتحريم الخمر.
{وَعُلّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ ءابَاؤُكُمْ} يعني: علمتم أنتم وآباؤكم في التوراة ما لم تعلموا.
ويقال: علمتم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم فإن أجابوك وإلا ف {قُلِ الله} أنزله على موسى {ثُمَّ ذَرْهُمْ} إن لم يصدقوك {فِى خَوْضِهِمْ} يعني: في باطلهم {يَلْعَبُونَ} يعني: يلهون ويفترون قرأ ابن كثير وأبو عمرو {وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} كل ذلك بالياء على لفظ المغايبة.
وقرأ الباقون: بالتاء على معنى المخاطبة لأن ابتداء الكلام على المخاطبة. اهـ.

.من فوائد الماوردي في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله عز وجل: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: وما عظموه حق عظمته، قاله الحسن، والفراء، والزجاج.
والثاني: وما عرفوه حق معرفته، قاله أبو عبيدة.
والثالث: وما وصفوه حق صفته، قاله الخليل.
والرابع: وما آمنوا بأن الله على كل شيء قدير، قاله ابن عباس.
{إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِن شَيْءٍ} يعني من كتاب من السماء.
وفي هذا الكتاب الذي أنكروا نزوله قولان:
أحدهما: أنه التوراة، أنكر حبر اليهود فيما أنزل منها ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى هذا الحبر اليهودي سمينًا، فقال له: «أَمَا تَقْرَءُونَ فِي التَّورَاةِ: أَنَّ اللَّه يَبْغَضُ الحَبْرَ السَّمِينَ» فغضب من ذلك وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء، فتبرأت منه اليهود ولعنته، حكاه ابن بحر.
والقول الثاني: أنه القرآن أنكروه ردًا لأن يكون القرآن مُنَزَّلًا.
وفي قائل ذلك قولان:
أحدهما: قريش.
والثاني: اليهود.
فرد الله تعالى عليهم بقوله: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} يعني التوراة لاعترافهم بنزولها.
ثم قال: {نُورًا وَهُدىً لِّلنَّاسِ} لأن المنزل من السماء لا يكون إلا نورًا وهدىً.
ثم قال: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا} يعني أنهم يخفون ما في كتابهم من بنوة محمد صلى الله عليه وسلم، وصفته وصحة رسالته. اهـ.

.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
الضمير في {قدروا} و{قالوا} قيل يراد به العرب قاله مجاهد وغيره، وقيل يراد به بنو إسرائيل، قاله ابن عباس، وقيل رجل مخصوص منهم يقال له مالك بن الصيف قاله سعيد بن جبير، وقيل في فنحاص قاله السدي، {قدروا} هو من توفية القدر والمنزلة فهي عامة يدخل تحتها من لم يعرف ومن لم يعظم وغير ذلك، غير أن تعليله بقولهم: {ما أنزل الله} يقضي بأنهم جهلوا ولم يعرفوا الله حق معرفته إذ أحالوا عليه بعثه الرسل و{حق} نصب على المصدر، ومن قال إن المراد كفار العرب فيجيء الاحتجاج عليهم بقوله: {من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى} احتجاجًا بأمر مشهور منقول بكافة قوم لم تكن العرب مكذبة لهم، ومن قال إن المراد بني إسرائيل فيجيء الاحتْجاج عليهم مستقيمًا لأنهم يلتزمون صحة نزول الكتاب على موسى عليه السلام، وروي أن مالك بن الصيف كان سمينًا فجاء يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم بزعمه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنشدك الله ألست تقرأ فيما أنزل على موسى أن الله يبغض الحبر السمين» فغضب وقال والله: {ما أنزل الله على بشر من شيء} والآية على قول من قال نزلت في قول بني إسرائيل تلزم أن تكون مدنية، وكذلك حكى النقاش أنها مدنية، وقرأ الحسن وعيسى الثقفي وغيرهما {وما قدّروا} بتشديد الدال {الله حق قدره} بفتح الدال، وقرأ الجمهور في الأول بالتخفيف وفي الثاني بإسكانه.
وقوله تعالى: {قل من أنزل الكتاب} الآية، أمره الله تعالى أن يستفهم على جهة التقرير على موضع الحجة، والمراد ب {الكتاب} التوراة، و{نورًا وهدى} اسمان في موضع الحال بمعنى نيرًا وهاديًا، فإن جعلناه حالًا من {الكتاب} فالعامل فيه {أنزل}، وإن جعلناه حالًا من الضمير في {به} فالعامل فيه {جاء}، وقرأ جمهور الناس {تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون} بالتاء من فوق في الأفعال الثلاثة، فمن رأى أن الاحتجاج على بني إسرائيل استقامت له هذه القراءة وتناسقت مع قوله: {وعلمتم ما لم تعلموا} ومن رأي أن الاحتجاج إنما هو على كفار العرب فيضطر في هذه القراءة إذا لا يمكن دفعها إلى أن يقول إنه خرج من مخاطبة قريش في استفهامهم وتقريرهم إبى مخاطبة بني إسرائيل بتوبيخهم وتوبيخ أفعالهم.
قال القاضي أبو محمد: وهذا مع بعده أسهل من دفع القراءة، فكأنه على هذا التأويل قال لقريش من أنزل الكتاب على موسى، ثم اعترض على بني إسرائيل فقال لهم خلال الكلام تجعلونه أنتم يا بني إسرائيل قراطيس، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا} بالياء في الأفعال الثلاثة، فمن رأى الاحتجاج على قريش رآه إخبارًا من الله عز جل بما فعلته اليهود من الكتاب، ويحتمل أن يكون الإخبار بذلك لقريش أو للنبي صلى الله عليه وسلم وحده، وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن فأمته متلقية ذلك، و{قراطيس} جمع قرطاس أي بطائق وأوراقًا والمعنى يجعلونه ذا قراطيس من حيث يكتب فيها، وتوبيخهم بالإبداء والإخفاء هو على إخفائهم آيات محمد عليه السلام والإخبار بنبوته وجميع ما عليهم فيه حجة وقوله: {وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} قال مجاهد وغيره هي مخاطبة للعرب، فالمعنى على هذا قصد ذكر منة الله عليهم بذلك أي علمتم يا معشر العرب من الهدايات والتحيد والإرشاد إلى الحق ما لم تكونوا عالمين به ولا آباؤكم.
قال القاضي أبو محمد: وقوله: {وعلمتم ما لم تعلموا} يصلح على هذا المعنى لمخاطبة من انتفع بالتعليم ومن لم ينتفع به، ويصح الامتنان بتعليم الصنفين، وليس من شرط من علم أن يعلم ولابد، اما أن التعليم الكامل هو الذي يقع معه التعلم، وقالت فرقة بل هي مخاطبة لبني إسرائيل، والمعنى على هذا يترتب على وجهين، أحدهما أن يقصد به الامتنان عليهم وعلى آبائهم بأن علموا من دين الله وهداياته ما لم يكونوا عالمين به، لأن آباء المخاطبين من بني إسرائيل كانوا علموا أيضًا وعلم بعضهم، وليس ذلك في آباء العرب، والوجه الآخر أن يكون المقصود منهم أي وعلمتم أنتم وآباؤكم ما لم تعلموه بعد التعليم ولا انتفعتم به لإعراضكم وضلالكم ثم أمره تعالى بالمبادرة إلى موضع الحجة أي قل: الله هو الذي أنزل الكتاب على موسى ويحتمل أن يكون المعنى فإن جهلوا أو تحيروا أو سألوا أو نحو هذا فقل الله ثم أمره بترك من كفر وأعرض، وهذه آية منسوخة بآية القتال إن تأولت موادعة، وقد يحتمل أن لا يدخلها نسخ إذا جعلت تتضمن تهديدًا ووعيدًا مجردًا من موادعة، والخوض الذهاب فيما لا تسبر حقائقه، وأصله في الماء ثم يستعمل في المعاني المشكلة الملتبسة، و{يلعبون} في موضع الحال. اهـ.

.من فوائد ابن جزي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} أي ما عرفوه حق معرفته، في اللطف بعباده والرحمة لهم؛ إذ أنكروا بعثه للرسل وإنزاله للكتب، والقائلون هم: اليهود بدليل ما بعده، وإنما قالوا ذلك مبالغة في إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وروي أن الذي قالها منهم مالك بن الصيف، فرد الله عليهم بأن ألزمهم ما لابد لهم من الإقرار به وهو إنزال التوراة على موسى، وقيل: القائلون قريش، ولزموا ذلك لأنهم كانوا مقرين بالتوراة {وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تعلموا} الخطاب لليهود أو لقريش على وجه إقامة الحجة والرد عليهم في قولهم: ما أنزل الله على بشر من شيء، فإن كان لليهود، فالذي علموه التوراة، وإن كان لقريش فالذي علموه ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم {قُلِ الله} جواب من أنزل واسم الله مرفوع بفعل مضمر تقديره أنزله الله أو مرفوع بالابتداء. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله عز وجل: {وما قدروا الله حق قدره}.
قال ابن عباس: لما عظموا الله حق عظمته وعنه أن معناه ما آمنوا أن الله على شيء قدير.
وقال أبو العالية: ما وصفوا الله حق وصفه.
وقال الأخفش: ما عرفوا الله حق معرفته.
يقال: قدر الشيء إذا حزره وسبره وأراد ان يعلم مقداره يقال قدره يقدره بالضم قدرًا ثم يقال لمن عرف شيئًا هو يقدره قدره وإذا لم يعرفه بصفاته يقال فيه إنه لا يقدر قدره فقوله: {وما قدروا الله حق قدره} يصح فيه جميع الوجوه المذكورة في معناه {إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} يعني الذين قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ما قدروا الله حق قدره ولا عرفوه حق معرفته إذ لو عرفوه حق معرفته لما قالوا هذه المقالة، ثم اختلف العلماء فيمن نزلت هذه الآية على قولين:
أحدهما: أنها نزلت في كفار قريش وهذا على قول من يقول إن جميع السورة مكية وهو قول السدي.
ويروي ذلك عن مجاهد وصححه الطبري قال: لأن من أول السورة إلى هذا الموضع هو خبر عن المشركين من عبدة الأصنام وكان قوله: {وما قدروا الله حق قدره} موصولًا بذلك غير مفصول عنه فلا يكون قوله إذ قالوا: {ما أنزل الله على بشر من شيء} خبرًا عن غيرهم وأورد فخر الدين الرازي على هذا القول إشكالًا وهو أن كفار قريش ينكرون نبوة جميع الأنبياء فكيف يمكن إلزامهم بنبوة موسى وأيضًا فما بعد هذه الآية لا يليق بكفار قريش إنما يليق بحال اليهود وأجاب عنه بأن كفار قريش كانوا مختلطين باليهود وقد سمعوا منهم أن موسى جاءهم بالتوراة وبالمعجزات الباهرات وإنما أنكر كفار قريش نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فيمكن إلزامهم بقوله: {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى} وأجاب عن كون سياق الآية لا يليق إلا بحال اليهود بأن كفار قريش واليهود لما كانوا مشتركين في إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فلا يبعد أن بعض الآية يكون خطابًا لكفار قريش وبعضها خطابًا لليهود.
والقول الثاني: في سبب نزول هذه الآية وهو قول جمهور المفسرين أنها نزلت في اليهود وهذا على قول من يقول: إن هذه الآية نزلت بالمدينة وأنها من الآيات المدنيات التي في السور المكية.